الجمعة، 8 سبتمبر 2023

الخشوع فى الصلاة......لماذا و ما ثمرته، وكيف نصل إليه؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام على أكمل المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

الخشوع فى الصلاة......لماذا و ما ثمرته، وكيف نصل إليه؟

موضوع التركيز فى الصلاة او فى المصطلح الإسلامى الخشوع، موضوع هام جدا لسبب خطير للغاية ألا وهو حديث الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله وسلم: (إن العبد لينصرف من صلاته . ولم يُكتب له منها إلا نصفها ، إلا ثلثها ، إلا ربعها ، حتى قال : إلا عشرها(،  ولقول بن عباس رضى الله عنهما: (ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها)، نأتى لحديث آخر:      (كل صلاة لم تنه عن الفحشاء والمنكر لم يزدد صاحبها من الله إلا بعدا) وبديهى أنه كلما كان نصيب العبد من الصلاة كبير كلما كان نصيبه من إكتسابه ملكة الإنتهاء عن الفحشاء والمنكر أكبر، من ناحية أخرى فإن ذلك النصيب مرتبط بما يَعقل الإنسان من معنى الصلاة وحضور قلبه فيها، ولنكون واقعيين ونطرح حلولاً ممكنة إذ ليس بإستطاعتى أن أقول: بوجوب طرح الدنيا بالكلية من القلب والإقبال على الله تعالى بكل الجوارح ونسيان كل ما سوى الحق سبحانه، نرجوا أن يتحقق ذلك المثال الراقى الذى لم يحدث إلا مع كبار الأولياء الكرام حسب ما علمنا بخلاف الأنبياء والأئمة العظام، ولكن ما نستطيع فعله هو إقتراح حلول وخطة عمل نسير عليها لنقترب قدر ما نستطيع من تلك الجنة الرائعة... جنة الخشوع فى الصلاة عسى أن نقتطف من ثمارها الإيمانية.

ولكن قبل الحديث عن الكيفية التى نصل بها إلى الخشوع فى الصلاة، ألا فلنسأل أنفسنا السؤال الأولى ...... ماهى فوائد وثمرات الخشوع فى الصلاة ؟؟

بدا الجواب المبدئى على التساؤل الضمنى لماذا الخشوع فى الصلاة فى المقدمة، ننتقل الآن إلى التساؤل الثانى عن الثمرة المرجوة من الخشوع فى الصلاة.

ثمرات الخشوع فى الصلاة:

1-    التوصل إلى السعادة الصافية، حيث أن مصدر كل السعادات وأصل كل الكمالات هو الحق جلّا وعَلا، فإن تحقق العبد بالخشوع الكامل تَحصّل على السعادة الصافية مباشرة فى الحياة الدنيا، وهو المطلب الأهم لأى عاقل وكل إنسان فاضل طالب للكمال.

2-    الشفاء من العلل النفسية والجسمية، وهاهنا فإن الشفاء ليس من طريق إجابة الدعاء فقط، وإنما هو شفاء آخر مباشر طبيعى كإرتباط السبب بالنتيجة وذلك لإجراء أبحاث حول هذا الموضوع، لأنّ الخشوع يُعطى نفس النتائج الصحية لتمارين اليوجا والتأمل ولكن بوسيلة أرقى وأفضل.

3-    الخشوع يُحقق الإنسان بموطنه الأصلى وهو عالم الروح والقرب من الحق سبحانه وتعالى، وبالتالى يعطيه دافع لمزيد من العمل للتحقق بأصله النورانى والتوصل إلى إحراز كماله اللائق به.

4-    بمزيد من الخشوع يكتسب الإنسان ملكات نفسية نفيسة نادرة، مثل رباطة الجأش والهدوء وحسن التصرف أثناء المواقف العصيبة المختلفة، مع إحراز ملكة الصمود عند النوازل.

والحقيقة فإن ثمرات الخشوع لن يستطيع بشر بمحض عقله او كشفه وعرفانه أن يعرف كامل ثمرات الخشوع او السر الكامل والفائدة المكنونة لأى حكم شرعى من أحكام الله تبارك وتعالى، ذلك لأن كل حُكم وسر إنما هو مرتبط بأسرار كونية أخرى، وتتسع دائرة الإرتباط بإتساع مُلك الله تبارك وتعالى وبالتالى تتسع دائرة العلوم الواصفة لعلاقات تلك الإرتباطات وإرتباطها بمبدأى الأزل والأبد، والعلم الكامل عند الله تعالى.

ننتقل الآن إلى محاولة الإجابة على التساؤل الثالث والأخير المتعلق بكيفية الوصول إلى تلك المنحة الغالية الخشوع فى الصلاة، وإن كنت عنها لمن الغافلين. 

كيفية الوصول إلى الخشوع فى الصلاة:

1-    إدمان التفكر فى زوال الدنيا وتذكر الموت خصوصا قبل الصلاة.

2-    إستحضار مقابلة شخصية عظيمة، ثم إستحضار عظمة العظيم الأعظم سبحانه، وبأنه أولى بالإهتمام والتركيز والخشوع.

3-    إسباغ الوضوء، وعدم التكلم بعده إلا بذكر الله تعالى.

4-    مجانبة أهل السوء والباطل، وبمجالسة أهل الصدق و الخشوع والوقار ينعكس ذلك إيجابا فيما بعد على شخصية المصلى وإكتسابه تلك الملكة الشريفة الكريمة.

5-    الإلتزام الشرعى عموما يُوجب بالتبعية الخشوع فى الصلاة، خاصة أكل الحلال والصدق فى المقال والشفقة على الأطفال وإنفاق صافى الأموال.

6-    الخشوع فى الصلاة مرتبط برقة القلب فبديهى أن غليظ القلب لا يُتصور خشوعه فى الصلاة، إذ قد قال الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)، بالتالى يجب فعل الأعمال التى تُوجب خشوع القلب، ونصيحة الرسول الكريم صلوات الله عليه وآله وسلم هى المسح على رأس اليتيم و لعل المقصود تعهده (أى اليتيم) بالرعاية وشموله بالعطف والمحبة وتعويضه من حرمان الأبوين، كذلك الصيام وغض البصر لأن غض البصر يُوجب تذوق حلاة الإيمان، وأهم مأدبة للإيمان يُذاق فيها حلاوته هى الصلاة فمن غض بصره ذاق حلاة الإيمان فى صلاته وبالتالى خشع وسكن فيها لا محالة بإذن الله تعالى.        

7-    إلتزام الصلاة فى وقتها وخاصة فى المسجد، وسلوك طريق العرفان على نهج آل البيت عليهم السلام يُوجب تطهير القلب ومن أهم مطهرات القلب كثرة ذكر الله تبارك وتعالى وبالتالى إستعداده لتلقى البركات والأنوار وتأثره بالخشوع مما ينعكس آثاره على سائر الجوارح تبعا للحديث النبوى الشريف كما مر سابقاً والله تعالى أعلى وأعلم.

 

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلاٌم على المرسلين والحمد لله رب العالمين

سبحانك لاعلم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد وآله وصحبه وسلم

التكنولوجيا واثرها على الابداع والمبدعين

 

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة:

مما لا شك فيه ان التكنولوجيا الحديثة اضحت جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، لما نراه من تدخلها فى كافة انشطتنا الحياتية، والتكنولوجيا فى الاصل وليدة لحظات إبداع من أُناس ملهمون بدوافع من القوى الداخلية متعددة الاشكال: تفكير متقد، قوة ملاحظة، نظرة ثاقبة لعلاقات خفية لا نراها نحن، ورغبة اكيدة فى تطوير الواقع...إلى غير ذلك من ملكات ودوافع، والسؤال الذى يطرح نفسه:

هل للتكنولوجيا الناتجة عن فكر المبدعين تاثير مقابل على المبدعين وإبدعاتهم المختلفة؟

قد يتفق معى القارىء الكريم بأن الاجابة على هذا التساؤل ربما تتطلب بحثا مطولا، لايسعه هذا المقال نظرا لتفرع موضوع البحث فيه من تصنيف انواع التكنولوجيا وحقبها التاريخية المختلفة وسيكولوجية المبدعين ومدى تاثرهم بها، إضافة إلى تاثير الظروف المختلفة للمجتمع على هذه العلاقة.

مبدئيا يجب اولا قبل محاولة الاجابة على التساؤل المطروح ان نطلع على تعريف مبسط لمصطلحى التكنولوجيا والإبداع، فالتكنولوجيا او (التقنية( حسب تعريفها المشهور: تطبيق العلم للإستفادة منه فى كافة مناحى الحياة، وتسخير الطبيعة لخدمة الانسان.، اما الإبداع فمن مصدر بَدَعَ بَدْعاً بمعنى أنشأه من غير مثال ومنه ابتدع الشىء بمعنى اخترعه، ومن تعريف مصطلح الإبداع فسنتفق مبدئيا (إن سمح لى القارىء الكريم( على ان كلمة مبدع بالمقال سيقصد بها غالبا المخترع، وإن كان لا يوجد ما يمنع مطلقا من إطلاقها على كافة الفنون والعلوم، ولكن إنما تم التخصيص لسببين الأول: من حيث ان التكنولوجيا إنما هى التجلى المباشر للإبداع فى صورة اختراعات، اما الثانى فلان الإبداع فى صورة اختراع إنما هو من ارقى صور الإبداع واجداها انفعها (من وجهة نظر شخصية(.

بعد التعرف على المصطلحين فى صيغة التساؤل، يمكننا بقليل من التامل حصر تاثير التكنولوجيا على الإبداع فى ثلاث عناوين رئيسية:

1-    التاثير على المبدع.

2-    التاثير على ادوات الإبداع.

3-    اثر تكنولوجيا الإعلام على الإبداع.

اولا التاثير على المبدع:

يكاد يكون التاثير على المبدع اهم تاثيرات التكنولوجيا، نظرا لانه تاثير مباشر على مصدر الإبداع، من حيث ان العقل المبدع بمثابة الرحم الذى تنشا فيه وتتكون الأعمال الإبداعية، واحسب انه لا يمكن الجزم  بتحديد نوع التاثير على عقل المبدع سواء سلبا او ايجابا نظرا لكثرة العوامل المؤثرة واختلاف الفروق الفردية من مبدع الى آخر، ولنبدا بالعوامل السلبية، ولناخذ على سبيل المثال العوامل الآتية:

1-   هدر الوقت:

كان هدف التكنولوجيا الأساسى راحة الانسان لتوفير الوقت اللازم إما للإبداع او اللهو والترفيه، ولكن مع كثرة وسائل الترفيه وغزوها للحياة بحيث صارت من الأساسيات، اصبح المبدع الان محاصرا بتلك الوسائل بدءا من الراديو، مرورا بالسينما، التليفزيون ،القنوات الفضائية وانتهاءا بالإنترنت، وقد اضحى المنتج التكنولوجى الأخير لا يترك فرصة للوقت بسبب ما به من وسائل ترفيه، ليس هذا وفقط وإنما بسبب ارتباط كافة مناحى الحياة به من المعاملات البنكية والتسوق الالكترونى ووسائل التعليم عن بعد..الخ، ومع ظهور برامج التواصل الاجتماعى ازداد التعلق بالإنترنت ما نجم عنه ظهور مصطلح جديد: إدمان الإنترنت ، لذلك إن لم ينتبه المبدع او الباحث اثناء تعامله مع الإنترنت فقد يتكلف خسارة اهم راس مال لديه...وقته، وباهدار الوقت يضيع على المبدع فرصته الحقيقية فى التامل اللازم كى تنمو بداخله اجنة افكاره الإبداعية.

2-   نمط المعلومات:

يعتمد الان المبدعين والباحثين على الإنترنت بشكل اساسى، وبرغم مميزاته المتعددة من سرعة الوصول للمعلومة وتنوع اشكالها وجودة الصورة سواء ثابتة او متحركة، إلا ان ذلك النمط من المعلومات الجاهزة (بافتراض صحتها( يعيبها بانها سريعة التطاير من الذاكرة، وتلك نتيجة طبيعية بسبب سهولة الوصول للمعلومة ما سبب تراخى وكسل عقلى ونفسى فى حفظ المعلومات لدى الباحث بحجة سهولة الوصول إليها عند الحاجة، سبب آخر لتلك المشكلة ناتج عن تداخل وسائل الدعاية والإعلان المختلفة، واختلاف وسائل تشتيت الذهن عند استقبال المعلومات المطلوبة.

3-الأثر الصحى السىء:

إن من اخطر ما يؤثر على الناس عموما وعلى المبدعين خصوصا هو الموجات الصادرة عن اهم منتجات التكنولوجيا الحديثة (التليفون الجوال( فبرغم ما به من فوائد لا يمكن انكارها إلا ان الاضرار الناتجة عن تلك الاشعة (خاصة المؤثرة عى المساكين الساكنين قرب ابراج تقوية الاشارة( شديدة الخطورة لما تسببه من ضعف التركيز والخمول، مما يدمر العملية الإبداعية القائمة بالاصل على التركيز والنشاط، وبغض النظر عن اضرار ابراج الضغط العالى نجد نفس الشىء ينطبق على الانبعاثات الكهرومغناطيسية الصادرة عن شاشات الكمبيوتر، والتى تصيب المتابع بالارهاق الشديد.

وبسبب بعض مسالب التكنولوجيا السابق ذكرها ولا سيما الاثار السلبية لثورتى الإنترنت والإعلام تضائلت نسبة المبدعين مقارنة بالماضى، حيث لم نجد الان مبدعين ومفكرين يتسمون بالموسوعية والاصالة الفكرية كمحمد فريد وجدى والعقاد، او بلاغة العبارة وجمال الاسلوب مثل نجيب محفوظ اوعبقرية الاختراعات الثورية السابقة للعصر بعشرات السنين مثل نيكولاى تسلا... إلا فيما ندر.

 ولعل من الانصاف ذكر شىء من اثر الفوائد الايجابية للتكنولوجيا على المبدع... وما اكثراها.

بنظرى المحدود فان اهم فائدة للتكنولوجيا هى إطلاق العنان امام مخيلة المبدع لياتى بكل ما هو جديد وفريد، ذلك بسبب كثرة ما توفره التكنولوجيا من إتاحة الإمكانيات اللامحدودة كالمعامل الحديثة واجهزة السوبركمبيوتروافضل الميكروسكوبات، إضافة إلى كافة مصادر المعلومات المتاحة والميسرة، ليس هذا فحسب وإنما تعدت خدمة التكنولوجيا للمبدعين إلى تطويرمواد جديدة بخواص متميزة وفريدة ما كانت لتخطرعلى احذق كتاب الخيال العلمى! تلك المواد التى يمكنها تحقيق اى حلم للمبدعين حتى ولو على المدى البعيد بحيث اصبحت كل الافكار الان تحت بند الإمكان وليس المستحيل.

ويحضرنى الان مثال المصعد الفضائى إذ كانت الدراسات تتنبا بإمكان إنشاءه وتثبيته فى الفضاء خلال 300 عام والسبب فى طول المدة لان العقبة الرئيسية كانت متمثلة فى عدم وجود مواد متاحة لها الخصائص الميكانيكية اللازمة للوفاء بمتطلبات التصميم، بالاضافة الى ضرورة انخفاض تكاليف تلك المواد كى يصبح المشروع مجزى اقتصاديا، ولكن مع ظهور تكنولوجيا النانو nano technology و اكتشاف انابيب الكربون النانوية carbon nano tube  ثم التعرف على خصائصها المثيرة من مقاومة الشد بما يعادل 100 ضعف قيمة شد مقاومة اقصى انواع الصلب لاجهادات الشد، فى حين ان وزنها اخف بحيث تصل كثافتها إلى 6/1 قيمة كثافة الصلب! فبعد ظهور تلك التكنولوجيا اصبح العلماء الان على امل بإنخفاض مدة الإنشاء للمصعد بما يعادل 15 عام فقط !!.

كل هذه الطفرات التكنولوجية واكثر اعطت الحرية للمبدع ليتامل فى اى فكرة يريدها دون خوف او وجل من استحالة تحقيق افكاره عمليا إن آجلا او عاجلا، والسبب انه كلما ازدادت الإمكانيات كلما ازداد سقف الطموح والتطلع لتحقيق طفرات اكبر واعظم، وبازدياد الثقة لدى المبدعين بسبب التكنولوجيا تزداد بالتبعية ابدعاتهم جدة وجرأة، ما يجعلها فى بعض الاحيان تسبق التكنولوجيا الحالية بعدة اجيال وربما عدة قرون، بالتالى يتحقق المزيد من التقدم فى عملية تبادلية يدفع فيها (الإبداع والتكنولوجيا( كل منهما الاخر، وعلى مر الزمان نكتشف بان الفجوة ما بين الافكار الثورية وتطبيقاتها تضيق باستمرار نظرا للتقدم الهائل للتكنولوجيا، كذلك من حسنات التكنولوجا على المبدع التعليم الجيد والمتطور مع إتاحة معلومات اكثر دقة وقربا من الحقيقة، وافكارا اكثر شمولية وتنظيما وصدقا عن الكون والحياة، هذا ما يؤدى إلى نشوء جيل جديد من المبدعين بمستوى هذا التعليم الراقى مع ظهور عقول اكثر وعيا وإدراكا وتطلعا من ذى قبل، ولكن ربما قد تكون اقل همة وسعى من المبدعين السابقين!، وتلك نتيجة طبيعية لما تفرضه عليهم مسالب التكنولوجيا السابق ذكرها!.

ثانيا التاثير على ادوات الإبداع:

لا شك بان ادوات الإبداع (كمنتجات تكنولوجية( عامل هام جدا من عوامل الإبداع، وتطورها وشيوعها ينعكس مباشرة على الإبداع جودة واتقانا، وكلنا يدرك اهمية إختراع الورق ثم المطبعة واثرها على الإبداع وما نتج عنهما من بزوغ عصر النهضة والتنوير، وكما قيل من فقد حسا فقد علما، كذلك يمكننا القول (من فقد اداة نقص إبداعا( وينطبق القول على مستوى الفرد واداء المجتمع، والدليل بان الإبداع قائم على عنصرى العلم والادوات، فلأن ادوات العلم إنما تتضمن ادوات الإبداع والعكس صحيح،... لأعطى مثالا يقرب ما اقصد.

إن القلم كأداة للإبداع تمكن الروائى من ممارسة إبداعه بكتابة قصة مثيرة وشيقة، بالمثل تمكن العالم من ممارسة إبداعه العلمى بكتابة بحث علمى اصيل، بينما القلم كاداة علم يعتبر وسيلة اساسية لنشر العلم فى كافة صوره (العنصر الثانى للإبداع(، نفس الشىء ينطبق على الميكروسكوب كاداة للإبداع العلمى فى اكتشاف مسببات الامراض او المساهمة فى إختراع علاج جديد او العمل على تصنيع روبوت نانوى فريد، فى الوقت نفسه نجد بان الميكروسكوب ضرورى كاداة علمية تكشف الواقع المادى على حقيقته (قدر المستطاع( لاستنباط علم جديد ضرورى للطبيب للإبداع فى علاجات متطورة وللمهندس فى ابتكار اجهزة دقيقة قيمة.

مما سبق يتبين مدى تاثير الكنولوجيا على عنصرى الإبداع (ادوات الإبداع وناتجها العلمى( ولا شك بان تطور الادوات يتيح للمبدع إظهار ملكاته ومواهبه بصورة افضل، كما انها تفتح ابوابا مغلقة تخفى ورائها الكثير من الكشوف الهامة المعتمدة بالاساس على مبدع درّاك يقتنص الكشوف العظيمة من بين ثنايا التجارب والنتائج المختلفة، لهذه الاسباب فإن العلماء دائما ما يعكفون على تطوير الميكروسكوب، ويبدون إهتماما خاصا به، نفس الشىء ينطبق على الحاسوب كاداة مساعدة فى تحليل بيانات الميكروسكوب.

 من الملاحظ عدم إكتفاء التكنولوجيا على تطوير هاتين الأداتين، بل اشتمل تطويرها لكافة ادوات الإبداع وإن كان بعضها لا يتعلق بالبحث العلمى، كالالات الموسيقية، ادوات الرسم، النحت، ومختلف ادوات الفنون الإبداعية المختلفة، انتهاءاً بالاسلحة الحربية (فقط للمبدعين ذوى النوايا السيئة(.

والسؤال الذى يطرح نفسه الان...من هو المستفيد من التكنولوجيا فى عملية الإبداع؟

من وجهة نظرى الخاصة اعتقد بان العقول المتميزة فقط هى التى تطوع تلك الادوات الحديثة وتستثمرها فى إبداع اكثر نفعا، وإلا فإن العقول العادية لذوى الهمم الضعيفة قد يحدث لها نوع من الكسل العقلى والوهن الفكرى والنفسى جراء تلك التكنولوجيا الحديثة ! ذلك لأن كثرة العقبات هى التى تزكى نار الفكر وتلهب ملكة الإبداع حسب المثل الشهير: الحاجة ام الإختراع..... وحسْب ما تُعلمنا كتب التراجم و التاريخ .

ولاهمية  العنصر الثالث: تاثير تكنولوجيا الإعلام على الإبداع والمبدعين............فهذا ما سنتعرف عليه بالمقال الخاص القادم إن شاء الله تعالى.  

تتمة المقال

إنتهينا بالمقال السابق عند تاثير التكنولوجيا على المبدع وادوات الإبداع، والان نكمل بقية تاثير التكنولوجيا على الإبداع والمبدعين ونبدا بالعنصر الثالث.

ثالثا اثر تكنولوجيا الإعلام على الإبداع:

كما يؤثر الافراد على المجتمع وثقافته، فكذلك المجتمع وثقافته يؤثران على افراده، وتلعب التكنولوجيا دورا كبيرا فى ثقافة المجتمع، وهنا لا اهتم بالتكنولوجيا كمؤثر سلبى كما لا ازكيها بدورها الايجابى، واعتقد بانها محايدة تماما اثناء تفاعلها مع المجتمع، إذ اعطت التكنولوجيا للمجتمع جميع الأدوات التى إما ان ترفع به من شان المبدعين وبالتالى ترفع من شان المجمتع نفسه إلى اعلى درجات الرقى والتقدم، وإما ان تحط به إلى هاوية التخلف والتقهقر، وعندما اتكلم عن التكنولوجيا فى هذا المضمار فإنما اقصد تحديدا اخطر انواعها على الإطلاق والتى ازدادت خطورتها ضراوة لتصبح اشد خطرا من اسلحة الدمار الشامل، ألا وهى تكنولوجيا الإعلام !!....أجل اعى ما اقوله جيدا فإن تكنولوجيا الإعلام اضحت الان اخطر من الاسلحة النووية، ولما لا وقد اصبحت بالفعل السلاح الرئيسى فى الحروب الحديثة كما انها بوسائلها المتعددة تبرر الحروب العالمية الجديدة تحت غطاء من الاكاذيب والشائعات لإعطاء الغطاء الشرعى لتلك الحروب، كما انها اضحت الاداة الاسهل والارخص فى بث الشائعات والفتن وإثارة القلاقل والحروب الاهلية فى البلد الواحد او فيما بين البلاد المتجاورة وبعضها، ويكفى مقارنة عدد قتلى قنبلتى هيروشيما ونجازاكى مع عدد قتلى الارهاب الدولى المتمثل فى دعوى امريكا فى حروبها على الارهاب ثم قتلها للمدنيين وكذلك حروب اتباعها من الارهابيين والمتشددين!!.... ولنرجع الى ما نحن بصدده، فالحديث عن خطورة جهاز الإعلام ..آسف اقصد سلاح الإعلام .. لن ينتهى.

ولكن كيف يقوم هذا الجهاز الخطير وليد التكنولوجيا الحديثة بإعلاء شأن المجتمعات او الإنحطاط بها، وما علاقة ذلك بالإبداع !؟

السبب بسيط للغاية، وبتفهم وظيفة الإعلام ومبادىء عمله نستطيع فهم تلك العلاقات الخفية، فبمعرفة ان وظيفة الإعلام تاتى من التاثيرعلى سيكولوجية كل فرد واللعب على اوتار غرائزه وقناعاته الشخصية ومعتقداته، بالتالى يمكننا إدراك كيفية التوجيه الإعلامى لافراد المجتمع ككل للحصول على توجه عام، سواء للحرب والإبادة مثلما حدث مع الشعب الالمانى بتوجيه من جوبلز 1897- 1945م الساعد الايمن لهتلر 1889- 1945م او لتوجيه المجتمع نحو العمل والإنتاج مثلما حدث فى الاتحاد السوفيتى سابقا او توجيهه نحو الإبداع والإختراع مثلما نجد فى اليابان وكوريا الجنوبية، اما علاقة الإعلام بالمجتمع وأثر ذلك على الإبداع فيمكن الإجابة على ذلك عن طريق التامل فى شخصية المبدع طفلا وشابا، وبمعرفة النوازع الداخلية واثر الإعلام عليها، نستطيع التنبؤ بنتيجة ذلك على الشخص المبدع، بالتالى ندرك اثر تصرفاته على المجتمع سلبا او إيجابا.

 ولنبدا بالمبدع من وقت الطفولة، إذ نجد ان للاطفال حق على المجتمع (خاصة من بداخلهم إستعدادا خاصا للإبداع العلمى( بان يروا امامهم القدوة التى يحلمون بها وتحرك ما بداخلهم من مواهب وملكات كامنة، ويتاتى ذلك من خلال إبراز التكريم إعلاميا وماديا للشخصيات النافعة للمجتمع وبإعطائها الهالة التى يستحقونها، عندئذ سيتحقق افضل الاثر للمبدعين انفسهم (وسياتى الحديث عنهم لاحقا( ، اما المبدعين الصغار فربما يختلف معى القارىء فى ان الاطفال قد لا تدرك معنى لذة الحاجة للتكريم، إذ تلك اللذة تاتى فى مرحلة عمرية متاخرة، ولكننى مازلت اؤكد ذلك المعنى بوجهة ما، اولا بطريق مباشر بالتكريم للاطفال الموهوبين ما يثير حفيظة التنافس الإيجابى بين الاطفال انفسهم والتى غالبا ما تؤتى ثمارها إن آجلا او عاجلا، وثانيا بطريق غير مباشر كما اشير اليه سابقا من حيث كثافة العرض الإعلامى ( بطريقة تناسب عقلية الطفل( لتلك الشخصيات العلمية الكبيرة ما يثير فى الطفل الفضول والتساؤل عن ماهية هذه الشخصيات البطولية (فى مخيلته كنتيجة مباشرة للتوجيه الإعلامى(، من جهة اخرى عندما يجد الطفل الإهتمام والإعجاب من الابوين (بسبب الإعلام المؤثر عليهم ايضا( بالعلماء فإن ذلك سيثير لديه حماسة ورغبة شديدة فى ان يصبح يوما ما مثل اولئك الابطال (العلماء (طلبا لذلك التقدير من الابوين، وسيتضح هذا المعنى جيدا عند سؤال الطفل: ما هى امنيتك عندما تكون كبيرا ؟ بالتاكيد سيجيب الطفل بشخصية البطل الذى راه فى الإعلام، لذلك نجد الدول المتقدمة تهتم غاية الاهتمام بعلمائها ومفكريها ومبدعيها غاية الاهتمام، وتضعهم فى منزلة الابطال ضاربة بذلك عصفورين بحجر واحد، تشجيع المبدعين....التوجيه الصحيح للنشىء.

نتيجة لما سبق فإن تم اعتماد سياسة إعلامية هادفة فى تكريم المبدعين، فسينشأ جيل جديد يتنافس باستماتة ليصل لتلك المكانة المرموقة لتزداد جودة الأعمال الإبداعية رونقا وكمالا، ما ينعكس مرة اخرى على تطوير المجتمع فى كافة قطاعاته، كنتيجة طبيعية لضراوة التنافس الشريف الذى يخلقه بالاصل ذلك السلاح التكنولوجى الخطير....الإعلام.

بعد التعرف فى عجالة على تاثير الإعلام على الطفل، ناتى على التاثير الأخطر... على المبدع نفسه... مع إكتمال وعيه فى مرحلة الشباب، فبمعرفة ان المبدع ربما يكون اهمل الكثير من متطلباته السيكولوجية، إلا انه مازال يتمسك بنزعة وحيدة يراها تعوض ما فقده فى رحلته الطويلة للوصول لأعماله الإبداعية، تلك النزعة هى رغبته فى ان يرى اثر عمله فى إسعاد مجتمعه والمحيطين به، لذلك فإن المبدع يصير احوج ما يكون إلى تكريم المجتمع له وتقديره والاعتراف بمجهوداته، هنا ياتى دور تكنولوجيا الإعلام بوسائلها المختلفة لتنقل للناس عمله وتعرف به ليشعر المبدع بعد ذلك بحالة من الرضا النفسى ما يزيده إقبالا على اعماله الإبداعية وإتقانا لها طلبا لذلك التقدير، وذلك طبعا باعتبار وجود التقدير المادى كشىء اساسى ملازم للتقدير المعنوى والمتمثل فى الإعلام+. هامش

+لذلك نرى الفنانين بالوطن العربى تزيد اعمالهم على المئات بينما اساتذة الجامعات متوسط ابحاثهم تقدر بالعشرات......؟؟ اظن اتضح السبب الان؟

من جهة اخرى فعندما لم يجد المبدع التقدير اللازم ثم وجد بدلا من ذلك الإهمال والتقصير من المجتمع تجاهه، بالمقابل يجد من هم فى مجال إبداعى اقل نفعا وقمية للمجتمع ان لم يتسببوا فى حدوث اشد الضررعلى المجتمع بالفعل، ومع ذلك يلقون كل الحفاوة والتكريم، فان تلك النظرة المقلوبة من المجتمع ستنعكس فورا بالسلب على حالة المبدع النفسية ما يؤدى إلى الاحباط والرفض للمجتمع وناتج ذلك... إما ان ينزوى المبدع ويقل حماسه، ما ينعكس على جودة وعدد اعماله الإبداعية لشعوره بعدم حاجة المجتمع إليها، و إما ان يهاجر إلى حيث يجد ما يطمح إليه كل مبدع...عندئذ يخسر المجتمع ثروة لا تقدر بثمن ...والعجب عندما تجد بعد ذلك المجتمع فى تساؤل دائم لماذا نحن الان فى ذيل الامم بينما كنا فى يوم من الايام سادة العالم تقدما وحضارة !!؟.

 مما سبق يتضح لنا الاثر الخطيرلتكنولوجيا الإعلام، كما يتبن لنا ان الإعلام برغم خطورته إنما هو محايد، إذ ان تاثيره على فئة بالإيجاب واخرى بالسلب إنما هو تابع لثقافة المجتمع وآليات تعامله مع فئاته المختلفة.

 

تنويه:

مما سبق قد يبدو للقارىء الكريم بعض تناقض بالمقال من حيث اثر التكنولوجيا السىء والإيجابى، ويعلل ذلك بمستوى الإبداع المرتفع لدى اليابانييون برغم انهم غارقين فى التكنولوجيا، فى المقابل نجد انخفاض فى مستوى الإبداع لدى السودانيين رغم قلة التكنولوجيا لديهم مع اهتمام ملحوظ لدى اخواننا فى السودان بالقراءة، بالتاكيد فللقارىء كل الحق فى توجيه ذلك الاعتراض او غيره من آراء مطروحة بالمقال، وهذه آفة العلوم الإجتماعية إذ لا يمكنك الجزم باسباب اى ظاهرة إجتماعية او انسانية ذلك لان منشاها الإنسان... اللغز الكبير..الذى لا يمكن صياغته فى نظرية او اكتشاف حقيقته بمعادلة رياضية !!.

عموما الإجابة على هذا  التساؤل متضمن بنهاية هذا المقال بعنوان فرعى (الرسالة( تحتوى الهدف الاساسى من المقال، إضافة إلى رسالة موجهة إلى القادة ومتخذى القرار، و لأى قارىء يرى فى نفسه صاحب رسالة.

الرسالة

للإجابة على استشكال القارىء فإننا نرجع سبب التاثير التكنولوجى على المبدعين والمجتمع إلى عاملين اثنين، العامل الاول: الارادة السياسية للنظام. والعامل الثانى: الفروق الفردية من مبدع إلى آخرفى التاثر بالتكنولوجيا سلبا وإيجابا.

العنصر الاكثر اهمية بكل تاكيد هو الارادة السياسية، إذ هو الموجه لنشاط الشعب بامتلاكه اخطر سلاح (الإعلام( وفى حالة وجود الرغبة الاصيلة لاى نظام مستقل فى النهوض بشعبه فستجد جميع الشعب سيلتف حول هذا النظام مؤيدا وراغبا فى تحقيق النهضة، نتيجة ذلك سيظهر الكثر من المبدعين وستتوحد الرؤى والإتجهات، كما ستتلاشى الفروق الفردية لتتوجه الى الاستفادة من إيجابيات التكنولوجيا دون مسالبها فى سبيل تحقيق النهضة بدافع الإنتماء والوطنية.

مما سبق ندرك مدى الكارثة التى يعيشها قطاع كبير بالوطن العربى، بعدما تبين ان الإعلام بالوطن العربى موجه لا لزيادة الوعى والتفكير، وإنما لتجهيل الشعوب ونشر التخلف، وذلك بتوجيه اهتمامات النشىء والشباب إلى الامورالتافهة التى لا تخدم قضايا الوطن الاساسية.

نتيجة زرع الإعلام تلك الامور التافهة فى عقول ابناءنا...فقد حصدنا للأسف الشديد جيل مشوه ممسوخ لاقيمة له ولا يكن الانتماء لوطنه، بينما تجد البقية الباقية من المواهب الحقيقية نفسها مطحونة ما بين سندان الواقع المرير ومطارق الأحداث الساخنة المتتالية من حروب واضرابات لا اخر لها.

ارجوا ان تكون الرسالة وصلت واضحة بعدما اتضح بان التكنولوجيا قد قدمت للعالم الغربى افضل ما عندها (الإعلام( وللاسف قد قدمت للوطن العربى اسوأ ما عنها الإعلام ايضا !!.